كان موظفاً ذا درجة مرموقة في شركة كبيرة ومحترمة,لا لم تكن شركة عادية بل عالمية ذات فروع في كل أصقاع الأرض ولها من الميزات مل لا يتوافر لسواها..نظامها طبعاً صارم ودقيق ولكنه قائم على المساواة في المعاملة بين جميع كوادرها كما أنها تمنحهم بلا استثناء الكثير من المميزات فلا تبخس لهم حقاً لكنها في الوقت نفسه تطالبهم بأداء واجباتهم على أكمل وجه وتخص المبدعين مهم بالمزيد..
كان نص عقد العمل واضحاً ومفصلاً وشارحاً لكل حقوق وواجبات الموظف ,لكن صاحبنا بطل القصة وقّع عليه دونما تمعن,فقد بهرته المكافآت والمنح المجزية التي تهبها الشركة لأفرادها وربما نسي أو تناسى في غمرة فرحته فهم حقيقة الواجبات المنوطة به وحجم المسؤولية الكبيرة الملقاة على عاتقه جرّاء تلك الوظيفة..
المهم أنه بدأ أولاً بهمة ونشاط لكن عزيمته سرعان ما خارت (كما يحدث لمعظم العرب الكرام) ونفذ صبره وأصابه الملل والضجر من كثرة العمل وبدأ يهمل الالتزام بالشروط المنصوص عليها,تارة لا يلتزم بمواعيد العمل فيتأخر كما يحلو له وتارة يهمل ويؤدي ما عليه بلا أي إتقان..حتى الكومبيوتر الذي يُفترض أنه أداة لتيسير العمل صار صاحبنا يتخذه وسيلة للتسلية وتجربة كل جديد في عالم الالعاب .. عموماً بات صاحبنا لا ينفذ إلا ما يوافق هواه من أوامر وتعليمات
تلقى صاحبنا تنبيهاً إثر الآخر من الإدارة للفت نظره ورده إلى الالتزام لكنه لم يكترث بها جميعاً ,وعندما صدر القرار من المدير بمعاقبته وحرمانه من بعض الامتيازات المعطاة لزملائه (لعله يرتدع) نسي أن إهماله هو السبب وثار وهاج وماج واتهم الإدارة بالظلم والعسف,وسار يحكي عن قسوتها لكل الناس,ولم يفهم أن تلك كانت الفرصة الأخيرة التي أعطيت له ليعود إلى سلوكه المنضبط وأن المدير قد اتسع صدره كثيراً لطيشه ونزواته..
وأخيراً جاء القرار الذي لا عودة فيه بفصله نهائياً من وظيفته بعد أن استنفذ كل وسيلة للإصلاح..
عندها فقط أدرك فداحة خطئه وسوء عمله وبدأ يندم وقت لا ينفع الندم..
صاحبنا هذا وإن أضاع فرصة ثمينة لكنها تظل محطة في رحلة الحياة لعله ينتفع بها وتكون تلك الخسارة عاملاً يرده إلى اتباع سواء السبيل فيما يستقبل من حياته فهو يبقى أحسن حالاً بكثير من المسلم الذي نسي وظيفته كمسلم...ففي ذلك خسارة الدنيا والآخرة..
المسلم الذي يناديه ربه بقولهيا أيها الين آمنوا ادخلوا في السلم كافة) فأخذ من تعاليم ربه ما وافق هواه وأعرض عن الباقي..
المسلم الذي خلقه الله لعبادته (وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون) وزوده بكل الوسائل التي تعينه على إعمار الأرض فاتخذها بدلاً من ذلك للهو والمتعة والانطلاق في إشباع الغرائز بلا قيد أو شرط..
المسلم الذي خاطبه ربه (وما أصابك من سيئة فمن نفسك)فتراه يجزع إن نزل به البلاء ويجأر لربه قائلاً لم يا رب؟؟ وما الذي فعلته؟؟
المسلم الذي أنعم الله عليه بنعمة عظيمة ميزه بها عن باقي خلقه وهي العقل وأمره باستخدامها للنظر والتفكر والتدبر في الكون فإذا به يوجهها لمناقشة أوامر الخالق فلا يأخذ من تلك الأوامر إلا ما اقتنع به عقله..